''طاليس ورباعتو''.. فكاهة حامضة فاقدة لحس الإضحاك ترتكز على ''ثقافة الطواليطات وغريندايزر والرزة المزدوجة''..

لم يعد هناك مجال للضحك، أو على الأقل صناعة الفرجة الكوميدية فوق الخشبة وبالتلفزيون والإذاعات، في بلد فرخ منذ عقود خلت عددا من الكوميديين الكبار.. للأسف، وهذا ما يقوله الجمهور المتعطش للفكاهة، خبا الحس الكوميدي اليوم، بالقدر الذي جعلهم ينفرون من القاعات، ويهجرون البرامج ''الكوميدية'' في التلفزيون، حيث غالبا ما يصطدمون بـ''أشباه كوميديين'' وهم يتناولون مواضيع بعيدة عن المعالجة الحقيقية لمشاكل العباد في هذه البلاد السعيدة.. ومن هو الكوميدي أصلا، إذا لم يتمكن من التحكم في جمهوره، وتحويلهم إلى أداة حقيقية داخل العرض، يهزهم بالضحك ويدفعهم إلى السخرية من عمق مشاكلهم، والتفكه من خلال تيمات تلعب على المتناقضات التي يزخر بها المجتمع.. إن الكوميدي الحقيقي، حسب المتخصصين، هو ذاك الذي ينتزع منك الضحك دون جهد أو عسر في فهم ''الميساج''، ويجعلك متواطئا معه في انتقاد مشكل مجتمعي عميق بوسائل بسيطة للغاية، يتوج بـ''ضحكات جماعية'' يكون لها مفعول السحر على الجسد والعقل والنفس.. فالكوميدي إذن، أشبه بطبيب نفسي، يعالج نفسه أولا وجمهوره داخل عيادته التي هي الخشبة، وهو علاج بالكوميديا التي غالبا ما تكون سوداء. اليوم، وفي المغرب على وجه الخصوص، تبدو الحركة الكوميدية قد توقفت عند جيل الرواد، عند عبد الرؤوف وبلقاس وعبد الجبار لوزير وبزيز وباز والداسوكين والزعري ومحمد الجم وعزيز سعد الله وخديجة أسد.. وأيضا عند الجيل الثاني من سعيد الناصري إلى فهيد والخياري وخاي ثم مضياف والفذ وحنان الفاضلي وآخرون لا يتجاوزن أصابع اليد الواحدة.. لقد توقفت زمن الكوميديا عند هؤلاء، بالرغم من المؤاخذات والانتقادات التي كانت توجه لهم لبدل مجهود آخر في العطاء، وهي انتقادات مصدرها حب الجمهور لنجوم الكوميديا في المغرب، ممن تواطؤا جميعا على انتزاع الضحك، في زمن لم يكن فيه لا أنترنيت ولا ويفي ولا فايسبوك ولا واتساب ولا يوتوب ولا هم يحزنون.
اليوم، وبعد غياب هؤلاء الكوميديين الذين واكبوا جيلين أو ثلاثة، ظهرت مجموعة من الوجوه الشابة، ممن فرخها برنامج كوميديا أو بعض التجارب ''السكيتشية'' العابرة.. هؤلاء للأسف، لم يتمكنوا حسب المتتبعين من حمل مشعل الكوميديا في المغرب، لمواكبة إنجازات الكبار ممن تحتفظ لهم الخزانة الكوميدية بتحف في فن الفكاهة والسخرية.. هنا يساءل كثيرون، أين هم نجوم ''كوميديا'' الذين تركوا انطباعا جيدا بأنهم مشاريع كوميديين كبار؟ هل طوروا أنفسهم؟ أم تم تنميطهم في قالب واحد، سفه الحس الكوميدي في المغرب.؟ قد يقول قائل، إنهم موجودين، وهم الآن يتكتلون داخل خلية يحتضنها ''طاليس'' تحت مسمى ''إيموراجي''.. وقد يجيب البعض، وهل فرقة ''إموراجي'' التابعة لوكالة ''طاليس برود'' تنتج الضحك أصلا، حتى يمكن تصنيفها في خانة الفرق التي تضم كوميديين بارعين في الإضحاك والسخرية؟
بعيدا عن هاته التساؤلات، يمكن من خلال جولة قصيرة في بعض الأعمال الكوميدية لـ''طاليس ورباعتو'' خاصة تلك التي يتم تنظيمها تحت مسمى ''جولة فنية''، أن نسجل بعض الملاحظات، منها غياب الجمهور قوي عن القاعات التي تحتضن العروض، اللهم نسبة قليلة تحاول أن تستعيد الثقة في كوميدييها.. هؤلاء، ''كيكحلو بلعما''، وقد يندمون عن مشاهدة عروض، يعتبرونها ''حامضة''، فاقدة لأي حس إبداعي، يكتفي خلالها بعض أشباه الكوميديين فقط، باللعب على بعض المواضيع التافهة التي لا تمس جوهر المشاكل الحقيقية التي على الكوميدي معالجتها بحس ساخر وذكي وعقلاني أيضا.
الملاحظة الثانية التي يسجلها المتتبعين، أن هذه ''الرباعة''، تحاول أن تتناول مواضيع تشغل بال ''ولاد ليوم''.. لكن خلال هذه المعالجة، يبدل ''الكوميدي'' مجهودا كبيرا في إيصال الفكرة، مستغرقا زمنا يعتبره المتخصصون طويلا قياسا مع الزمن الخاص بالخشبة، فتضيع الفكرة، لسبب بسيط هو أنه يردد ما يُكتب له، دون إيمان ولا فهم بمضمون النص. هذا إن لم نقل إن النص في حد ذاته يتم تنميطه داخل ما يسميه البعض بـ''ثقافة الطواليطات''، وثقافة ''لعشيرة'' و''ثقافة كيليميني''..
الملاحظة الثالثة، أن هذه العروض بقدر ما نمطت الحس الفكاهي في المغرب، بقدر ما أحدثت نزيفا (إموراجي) داخليا في جسد الكوميديا بالبلاد.. إذ ما نشاهده اليوم من عروض، بالرغم من تفاهة المواضيع، يتم معالجتها بـ''لي كَاك'' مستوردة من ''لي مو تيكنيك'' استعملها عبد الرؤوف وسعيد الناصري والخياري وآخرون، مع استمرار هذه ''الرباعة'' في الاعتماد على تيمة ''لمديني ولعروبي'' التي انطلقت مع فرقة الكواكب في الخمسينات التي كانت تضم القدميري وبوشعيب البيضاوي وبوجمعة أوجود (عزيزي) ومفضل لحريزي وآخرون... لتبرز أكثر ثنائية ''لميديني ولعروبي'' التي يعتمدها الذين يطلقون على نفسهم كوميديين، في فضاءات الحلقة، ثم بشكل أكبر مع الثنائيات، بدءا ببزيز و باز والداسوكين والزعري إلى الثنائي التيقار والصداقة والسفاج ومهيول ولهناورات...
الملاحظة الرابعة، هي أن أغلب سكيتشات ''طاليس ورباعتو'' تعتمد على تتفيه عقول الناس من خلال الارتكاز على خطاب طفولي لا يبتعد عن خطاب ''القناة الصغيرة''، حيت ما يزال ''ماوكلي وغريندايز والرزة المزدوجة'' حاضرون في كوميديا القرن الواحد والعشرين، هذا في الوقت الذي عرف فيه المغرب تطورا كبيرا بانفتاحه على ثقافة الغرب.
الملاحظة الخامسة، هو أن شلة ''طاليس ورباعتو'' يقدمون أنفسهم على أنهم محتكرو فن الكوميديا في المغرب الآن.. ويعتقدون أنهم يمتلكون جمهورا عريضا، بإمكانه أن يعزز أسهمهم عن المستشهرين، وهذا موضوع آخر سنعود إليه بالتفصيل، لتضمنه معطيات صادمة.. غير أن ما يهمنا هنا هو أن الفنان مرآة للمجتمع، وليس شخص متعال عليه، حيث أصبح البعض من هؤلاء ''الكوميديين'' يعانون من تضخم الأنا، والإحساس بـ''العظمة''، سواء في تعاملهم مع المعلنين أو الصحافيين أو الجمهور.. وفي ذلك أمثلة سنعود إليها أيضا، تماما كعودتنا لاحقا إلى طبيعة اشتغال ''الكوميديين'' في فرقة ''طاليس'' وفي ذلك تجسيد للمثل القائل ''هبش تجبد حنش''. 
عموما، وكنموذج لما يسميه الجمهور المتعطش للكوميديا الحقيقية بـ''الحموضة''، تم تقديم عرض قبل يومين بمدينة فاس، نشطه خريج برنامج كوميديا ''باسو''.. هذا العرض الذي يحمل عنوان ''بوركينا باسو''، والذي وصفه بعض ممن حضروه بـ''الحامض'' لم يزد الطينة إلا بلة باعتماده عن فكاهة هجينة و''باسلة'' فاقدة لأي طعم إضحاكي، تماما كـ''المرقة البايتة'' التي تفوح منها رائحة الحموضة، حيث لم يخرج هذا العرض عن الملاحظات المشار إليها أعلاه.